الخوفُ من اللهِ مظهرٌ للإيمانِ وصمَّامُ أمانٍ منَ الانحراف

الخوفُ من اللهِ مظهرٌ للإيمانِ وصمَّامُ أمانٍ منَ الانحراف

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين..

وجاء في خطبته الأولى :

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. صدق الله العظيم.

 

الخوفُ من الله

 

حرص الله سبحانه وتعالى في تربيته للإنسان على دعوته إيّاه إلى الخوف منه، بهدف بناء التَّوازن داخل شخصيَّته، وتنمية الرَّادع لديه، حتَّى لا يتجرَّأ على ارتكاب ما حرَّمه عليه، والقيام بالمسؤوليَّات الَّتي ألقاها على عاتقه. والخوف من الله لا يعني الرّعب منه، بل يعني أن تستشعر عظمة الله في داخل نفسك، والخشية من أن تفقد رحمته وتكون في موقع عقابه في الدنيا، أو عندما نقف بين يديه.

 

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، عندما قالِ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وقال: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}، وعندما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}، وعندما قال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ}.

 

وقد اعتبر الله هذا الشّعور مظهر الإيمان، فلا يمكن أن يكون المؤمن مؤمناً إلَّا ويخاف ربَّه، قال عزَّ وجلَّ: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

 

وقد أشار القرآن إلى أن هذا الخوف هو سلوك الأنبياء، عندما قال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}.

 

وهذا ما عبَّر عنه النّبيّ (ص)، كما أخبرنا الله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.

 

وقد ورد ذلك في وصيَّة أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن (ع)، فقال له: “أوصيك يا بنيَّ بخشية الله في سرِّ أمرك وعلانيتك”.

 

أمَّا نوعيَّة هذا الخوف، فقد أشار إليه الحديث: “خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، فَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّهُ لَا يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ ثُمَّ بَرَزْتَ لَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَقَدْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَهْوَنِ النَّاظِرِينَ عَلَيْكَ”.

 

وأن يدعونا هذا الخوف إلى توقِّي غضبه وفقدان محبَّته، وفي الحديث: “احذروا منَ اللهِ ما حذَّركم مِنْ نَفْسِهِ، واخشَوْهُ خشيةً يظهرُ أثرُها عليْكم”.

 

آثارُ الخوفِ من الله

 

وقد أشارت الآيات القرآنيَّة والأحاديث الشَّريفة إلى الآثار الَّتي يؤدّي إليها هذا الخوف إن هو حصل. قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

 

وفي الحديث: “مَنْ عَرَضَتْ له فاحشةٌ أو شهوةٌ، فاجتنَبَها من مخافةِ اللهِ، حرَّمَ اللهُ عليه النَّارَ، وآمنَهُ من الفزعِ الأكبرِ، وأنجزَ له ما وعدَهُ في كتابِهِ في قولِهِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}“.

 

وفي الحديث: “رأسُ الحكمةِ مخافةُ الله”.

 

وفي الحديث: “مسكين ابن آدم، لو خاف من النَّار كما يخاف من الفقر، لنجا منهما جميعاً، ولو رغب في الجنَّة كما يرغب في الغنى، لفاز بهما جميعاً، ولو خاف الله في الباطن كما يخاف خلقه في الظَّاهر، لسعد في الدَّارين جميعاً”.

 

وفي الحديث: “أعلى النَّاسِ منزلةً عندَ اللهِ، أشدُّهم خوفاً منْه”.

 

و”إنَّ اللهَ إذا جمعَ النَّاسَ، نادى فيهم منادٍ: أيُّها النَّاسُ، إنَّ أقربَكم اليومَ منَ اللهِ أشدُّكُم منْه خوفاً”.

 

ويعود التَّأكيد على زرع الخوف من الله لدى الإنسان ودعوته إليه، إلى الأثر الَّذي يتركه هذا الخوف من الله على حياة الإنسان وعلى مساره في الحياة، وقد أشار الله عزَّ وجلَّ إلى هذا الأثر عند حديثه عن هابيل بن آدم (ع)، فقد أدَّى به إلى التورّع عن قتل أخيه قابيل عندما قال له: {لَأَقْتُلَنَّكَ}، فكان ردُّ فعله: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ــ أمّا السَّبب في ذلك، فهو ــ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

 

وهذا الخوف هو الَّذي كان حاضراً عند النَّبيّ يوسف (ع)، لما راودته امرأة العزيز عن نفسها، وعبَّر عنه عندما قال لها: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}، وتحمَّل لأجل ذلك السّجن عندما دعته نسوة مصر إلى ارتكاب الفاحشة، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.

 

وهذا الخوف هو الَّذي جعل أهل البيت (ع) يتحمَّلون الجوع القاسي، ويحرمون أنفسهم الطَّعام لأجل أن يبذلوه للفقراء والمساكين والأيتام والأسرى، فقال عزّ وجلّ: {ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}.

 

صمَّامُ أمانٍ

 

فالخوف من الله وخشيته، إذاً أيُّها الأحبَّة؛ هو صمَّام أمان من الانحراف، يقي الإنسان، إن عاشه، من أن يكذب أو يغتاب أو ينمّ أو يخون الأمانة أو يغشّ أو يرتشي أو يفسد أو يظلم، حتَّى ولو بسلب نملة جلب شعيرة، كما قال عليّ (ع): “لو أُعطيْتُ الأقاليمَ السَّبعةَ بما تحتَ أفلاكِها، على أنْ أعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلبُها جلْبَ شعيرةٍ، ما فعلْته”.

 

وهذا ما أشارت إليه الأحاديث: “الخوفُ سجن النَّفس من الذّنوب، ورادعها عن المعاصي”، وفي الحديث: “من كثرت مخافته، قلَّت آفته”، “من خاف ربَّه، كفَّ ظلمَهُ” وانصرف عن السيِّئات.

 

وفي الحديث: “من علمَ أنَّ الله يراه ويسمعُ ما يقول، ويعلم ما يعمله من خيرٍ أو شرٍّ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الَّذي خاف مقام ربِّه، ونهى النَّفس عن الهوى”.

 

وفي الحديث: “يا بن آدم، لا تزال بخير، ما كان الخوف لك شعاراً”.

 

سعةُ رحمةِ الله

 

لكنَّ الحديث عن الخوف من الله عزَّ وجلَّ، لا يعني إغفال مدى رحمة الله، والتَّغاضي عمَّا ورد عنه في سعة رحمة الله ورأفته بعباده، والَّتي وصف نفسه بها عندما قرن بها اسمه، عندما قال: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، وراح يذكر بها في كلِّ صلاة، وعند قراءة السور القرآنيَّة، وعندما قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}.

 

ولذا، ورد الحديث عن الإمام زين العابدين (ع): “ليس العجبُ ممَّنْ نجا كيف نجا، إنَّما العجبُ ممّن هلَكَ كيف هلَكَ، مع سعةِ رحمةِ الله”.

 

وقد ورد في الحديث: “إنَّ لله رحمةً يوم القيامة، يتطاول إليها إبليس بعنقه”.

 

ولذلك، كان التَّأكيد على ضرورة التَّوازن بين الخوف والرَّجاء لرحمة الله، عندما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، وعندما قال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً}.

 

فقد ورد في الحديث عن الإمام الصَّادق (ع)، عندما سئل: ما كان في وصيَّة لقمان؟ قال: “كان فيها الأعاجيب، وأعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عزَّ وجلَّ خيفةً لو جئته ببرِّ الثّقلين لعذَّبك، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك”. ثمَّ قال (ع) “كان أبي يقول –  أي الإمام الباقر (ع)- : إنَّه ليس من عبدٍ مؤمنٍ إلّا وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وُزِنَ هذا لم يزد على هذا، ولو وُزِنَ هذا لم يزِد على هذا”.

 

لذلك، أيُّها الأحبَّة؛ لا بدَّ أن نعزِّز في نفوسنا الإحساس بمحبَّة الله لنا، ورحمته بنا، وحرصه الكبير على أن يدخلنا في جنَّته، ويقينا من عذابه. وحتَّى لا نيأس، نحن بحاجة في المقابل أن نعزِّز في نفوسنا الخوف منه، وهذا لا يتمّ إلَّا بمعرفة الله، حتَّى لا نطغى، ولا نتجبَّر، ولا نبتعد عمَّا فيه الخير لنا في الدّنيا والآخرة.

 

فالإنسان كلَّما ازداد معرفة بعظمة الله وبمدى جبروته، وما توعَّد من عذابه، ازداد خشية منه، وهذا ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وقد ورد في الحديث: “من كانَ باللهِ أعرفَ، كانَ من اللهِ أخوفَ”.

 

وليكن دعاؤنا في الختام: “اللّهمَّ إنَّا نسألُكَ خوفَ العابدينَ لَكَ، وعبادَةَ الخاشعينَ لَكَ، ويقينَ المتوكِّلينَ عليْكَ”.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَغْبَتِي فِي مَسْأَلَتِي مِثْلَ رَغْبَةِ أَوْلِيَائِكَ فِي مَسَائِلِهِمْ، ورَهْبَتِي مِثْلَ رَهْبَةِ أَوْلِيَائِكَ، واسْتَعْمِلْنِي فِي مَرْضَاتِكَ عَمَلاً لَا أَتْرُكُ مَعَهُ شَيْئاً مِنْ دِينِكَ، مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ”.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثَّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع)، عندما قال: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، فَإِنَّكُمْ مَسؤولُون حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ”.

 

وفي ذلك دعوة لنا إلى تقوى الله عزّ وجلَّ وأخذه بالحساب، بأن نؤدّي مسؤوليَّاتنا في الحياة الَّتي وسعها الإمام (ع)، والَّتي لا تقف عند حدود تركنا للحرام وأداء الواجبات من الصلاة والصيام والحجّ والخمس والزكاة، بل تتعدَّى ذلك إلى مسؤوليَّتنا تجاه عباده، بأن لا نكتفي بأن لا نسيء إليهم وإلى مصالحهم، بل يتعدَّى ذلك إلى أن نكون خيراً لهم، وأن نترك أثراً طيّباً في حياتهم، كما دعانا الإمام (ع) عندما قال: “خالطوا النَّاسَ مُخالطةً إنْ متُّمْ مَعَهَا بَكَوا عليكم، وإنْ عشتم حَنّوا إليكم”، “كونوا في النَّاس كالنَّحلة في الطَّير”.

 

ومسؤوليَّة أخرى علينا هي مسؤوليَّتنا تجاه وطننا الَّذي ينبغي أن يكون عزيزاً حرّاً كريماً، لا تناله يد الفاسدين والمفسدين من الدَّاخل، ولا يد الأعداء من الخارج.

 

ونحن معنيّون أيضاً بالأرض الَّتي استخلفنا الله عليها، بأن نعمرها بكلِّ سبل العمران، ونحسن استثمار مواردها، وأن لا نفسد فيها بأيِّ مظهر من مظاهر الفساد، كما قال عزّ وجلّ: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، وحتَّى البهائم، بأن نرعاها ونحسن الاستفادة منها، وأن لا نسيء إليها.

 

ومتى وعينا ذلك، فإنَّنا نضطلع بمسؤوليَّتنا تجاه الله عزّ وجلّ، ونحسن الجواب عندما نقف بين يديه، ويقال لنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، حينها سنسأل عن كيفيَّة تركنا للعباد والبلاد والبقاع والبهائم، وبذلك تكون الحياة أفضل، ونكون أكثر قدرةً على مواجهة تحدّياتها وصعوباتها.

 

مجازرُ العدوِّ في رفح

 

والبداية من غزَّة، حيث يستمرّ العدوّ الصّهيوني بارتكاب مجازره فيها، وقد لا يكون آخرها ما جرى من فظائع في رفح أصابت خيم النَّازحين، في مشهد يندى له جبين الإنسانيَّة، وهي تتواصل، مع الأسف، رغم القرار الأخير الصَّادر عن محكمة العدل الدوليَّة، والَّذي دعا إلى إيقاف الهجوم على رفح، وطلب مدَّعي عام المحكمة الجنائيَّة إصدار مذكّرات اعتقال بحقّ رئيس وزراء العدوّ ووزير حربه، والدَّعوات الَّتي صدرت من الأمم المتَّحدة ومجلس الأمن بإيقاف إطلاق النَّار، ورغم التَّظاهرات والمسيرات الَّتي جابت ولا تزال تجوب عواصم العالم، وهي تدعو إلى إيقاف حرب الإبادة الّتي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني، وضرورة إيقاف نزيف الدَّم والدَّمار، ما يشير إلى عدم مبالاة هذا الكيان بكلِّ القرارات الدوليَّة والرأي العام الدولي وحقوق الإنسان، ويجعلنا نفكِّر ملياً في كيفيَّة التَّعامل مع هذا العدوّ.

 

وهو في ذلك يستفيد من الدَّعم والتغطية الشاملة من الدول الداعمة له، ما يجعل هذا الكيان فوق أيِّ حساب أو مسؤوليَّة، وإذا كان من إدانات بتنا نسمعها، فهي تبقى في حدود التصريحات وبيانات الشَّجب، ولا تشكّل أيَّ ضغط على هذا الكيان يردعه عن جرائمه وارتكاباته.

 

خيارُ المقاومةِ والصّمود

 

في هذا الوقت، يستمرّ الشَّعب الفلسطيني بالخيار الَّذي أخذه في مواجهة هذا العدوّ، والّذي يعبِّر عنه صموده البطوليّ والأسطوريّ، وبصبره غير المحدود على الأذى الّذي يتعرَّض له، وبمقاومته التي تقدِّم كلّ يوم أنموذجاً في البطولة، والَّذي تشهد له العمليات الجهادية النوعية التي تقوم بها، والَّتي تجعل العدوَّ، وإن تقدَّم بآلياته، غير قادر على الثبات والتحرك بحرّية في الأرض التي يصل إليها، والَّتي باتت تربك مخطَّطاته، وتجعله غير قادر على تحقيق الأهداف الَّتي وضعها لحربه، وتجعل الكيان يعيش المأزق الدَّاخلي، إن على الصَّعيد السياسي أو الأمني.

 

ونحن إذ نحيّي صمود هذا الشَّعب ومقاومته، نجدِّد دعوتنا العالم العربي والإسلامي، ومعهم كلّ أحرار العالم، إلى مدّ يد العون لهذا الشَّعب، وإسناده ومساعدته على الاستمرار في ثباته وصموده.

 

وهنا ننوِّه بكلِّ الجهود الَّتي بذلت، إن على الصَّعيد الرسمي أو الشَّعبي، والتَّضحيات الَّتي تقدَّم على هذا الطَّريق، والَّتي نشهدها اليوم في اليمن، أو تلك الَّتي تحصل في لبنان.

 

الاشتباكُ المصريّ الصّهيونيّ

 

ونتوقَّف هنا عند ما جرى في رفح على الحدود الفلسطينيّة المصريَّة من اشتباك أدَّى إلى استشهاد جنديّ مصري وجرح آخرين، والَّذي جاء تعبيراً عن مشاعر الشَّعب المصري وجيشه الرَّافض لممارسات الكيان الصّهيوني، وهنا نعرب عن مواساتنا للشَّعب المصري وجيشه في مصابهم الأليم، والدّعاء للجرحى من المصابين بالشّفاء.

 

الوضعُ السوريّ

 

وننتقل إلى سوريا الَّتي لا يزال العدوّ الصهيوني يمارس اعتداءاته عليها، والَّتي كان آخرها ما جرى اليوم في محافظة حمص، والَّتي أودت بحياة عدد من المدنيّين

 

وفي هذا الإطار، فإنَّنا ننوِّه بعودة العلاقات الدبلوماسيَّة بين المملكة العربيَّة السعوديَّة وسوريا، والَّتي نأمل أن تتعمَّق وتتطوَّر، وتساعد على إخراج سوريا مما لا تزال تعاني منه في الداخل أو الخارج.

 

الاستمرارُ بنصرةِ غزّة

 

ونعود إلى لبنان الَّذي تستمرّ فيه المقاومة بأداء دورها في نصرة الشَّعب الفلسطينيّ، وبالحدود الَّتي رسمتها، وفي التصدّي لاعتداءات العدوّ الصهيوني التي تطاول القرى الآمنة، والَّتي بلغت حدَّ استهداف المدنيّين أمام المستشفيات، كالَّذي حصل في مستشفى صلاح غندور.

 

ونحن في الوقت الَّذي نحيّي المقاومة على أداء دورها في نصرة القضيَّة الفلسطينيَّة والدفاع عن أهلها، وفي منع العدوّ من التَّمادي في عدوانه، ندعو الشَّعب اللّبناني إلى الوقوف صفّاً واحداً في مواجهة تهديدات العدوّ المتكرّرة للبنان. وهنا نأسف للأصوات الَّتي ارتفعت في مواجهة القرار الَّذي اتخذته الحكومة اللبنانيَّة بالمساعدة العاجلة للنَّازحين من القرى الحدوديَّة، ولمن تهدَّمت بيوتهم، من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات ما يجري على النَّازحين، وأنّ من مسؤوليَّة الدولة اللبنانية الوقوف مع مواطنيها، ومد يدّ العون إليهم عندما تعصف بهم الأزمات.

 

في هذا الوقت، نؤكِّد ضرورة التجاوب مع كلِّ الدعوات التي تريد إنهاء الشّغور الرئاسي، للوصول إلى رئيس يتوحَّد عليه اللبنانيّون، ويكون قادراً على النهوض بهذا البلد، وعدم إبقاء هذا الاستحقاق في إطار التَّجاذبات الداخليَّة، أو انتظاراً لما يحدث، إن على صعيد غزة أو تطوّرات الخارج، واللبنانيّون قادرون على ذلك، بالتزامهم الحوار الجادّ الَّذي يزيل الهواجس المتبادلة، ويحدِّد كيفيَّة التعامل مع الأخطار الَّتي تحدق بالبلد على كلِّ الصّعد.

 

الموقفُ الموحَّد في بروكسل

 

ونبقى في لبنان، لنؤكِّد أهميَّة الموقف اللّبناني الموحَّد الَّذي تجلّى في مؤتمر بروكسل حول أزمة النَّازحين، والَّذي نأمل أن يستمرَّ ويتواصل عبر متابعة هذا الملفّ مع الحكومة السورية، حتَّى لا يبقى أسير الموقف الأوروبي الَّذي يتعامل مع هذه القضيَّة على المستوى المالي فحسب، والَّذي بات غير كاف لتلبية احتياجات هذا النّزوح، من دون الأخذ في الاعتبار المضاعفات المترتّبة على إبقاء هذا الملفّ مفتوحاً بدون علاج، والَّتي قد تشكِّل خطراً وجوديّاً على لبنان.

 

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير