03/01/2025

الإمام الهادي (ع): مسيرةٌ حافلةٌ بالمعاناة والجهاد

الإمام الهادي (ع): مسيرةٌ حافلةٌ بالمعاناة والجهاد


ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين…

 

الخطبة الاولى :

 

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: 73]. صدق الله العظيم.

 

ذكرى وفاةِ الهادي (ع)

 

تمرُّ علينا في هذا اليوم، الواقع في الثَّالث من شهر رجب، ذكرى حزينة على قلوب المحبّين والموالين لأهل البيت (ع)، وهي ذكرى وفاة الإمام العاشر من أئمَّة أهل البيت (ع)، الإمام عليّ بن محمَّد الهادي، هذا الإمام الَّذي أشار كلّ من عايشوه، إلى أنَّه “كَانَ أَطْيَبَ النَّاسِ بَهْجَةً، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً، وَأَمْلَحَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ، وَأَكْمَلَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، إِذَا صَمَتَ عَلَتْهُ هَيْبَةُ الْوَقَارِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَاهُ الْبَهَاءُ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ الرِّسَالَةِ وَالْإِمَامَةِ، وَمَقَرِّ الْوَصِيَّةِ وَالْخِلَافَةِ”.

 

ولد هذا الإمام (ع) في المدينة المنوَّرة، وعاش في ظلّ أبيه الإمام الجواد (ع) لثماني سنوات، وتوفي عن عمر ناهز الأربعين سنة، ودفن في سامراء، قضى منها ثلاث عشرة سنة في المدينة المنوَّرة، وعشرين سنة في سامراء.

 

وقد عانى الإمام الهادي (ع) طوال مدَّة إمامته التي استمرَّت أربعاً وثلاثين سنة من جور الخلفاء العباسيّين الستَّة الذين تعاقبوا على الخلافة في تلك الفترة، وكانت أشدّ معاناته من الخليفة العباسي المتوكّل الذي كان شديد العداء لأهل البيت (ع)، وهو من استدعاه من المدينة المنوَّرة إلى سامراء ليكون تحت رقابته، بعدما بلغه من يقول له: “إن كان لك في المدينة حاجة، فأخرج عليّ بن محمّد منها – الإمام الهادي (ع) – فقد كسب قلوب الناس إليه”.

 

لكن كلّ هذا الحصار والتضييق الذي فرض على الإمام (ع)، لم يمنعه من أداء المسؤوليَّة الملقاة على عاتقه في حفظ الإسلام وإبقائه نقياً، وفي التصدّي للانحرافات الفكريَّة والعقديَّة. وقد اعتمد الوكلاءَ له في كلِّ المناطق، ليكونوا صلة الوصل مع شيعته، وحتَّى لا يتعرَّضوا لسوء من قبل الحكام العباسيّين، كانوا يتخفون بصورة البائعين المتجوّلين.

 

ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة، لنتوقَّف عند بعض حواراته والأحاديث الَّتي وردت فيها.

 

بينَ الإسلامِ والإيمان

 

الحديث الأوَّل: هو عن أبي دعامة، وهو أحد أصحاب الإمام (ع) حين قال: “أتيت عليَّ بن موسى الهادي عائداً في علَّته الَّتي كانت سبباً في وفاته، فلمَّا هممت بالانصراف، قال لي: يا أبا دعامة، قد وجبَ عليَّ حقُّك – انظروا الإمام (ع) وهو على فراش المرض، يؤدّي دوره في التَّوجيه والإرشاد الّذي يراه حقّاً للنَّاس وواجباً عليه – سأحدّثك بحديث تُسَرُّ به. فقلت: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله! فقال: حدَّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع)، قال: قال لي رسول الله (ص): يا عليّ، اكتب، قال: فقلت ما أكتب؟ قال: اكتب بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الإيمان ما وقر في القلوب وصدَّقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللّسان وحلّت به المناكحة”، أي الزواج.

 

ولقد أراد الإمام (ع) من خلال ذلك، أن يبيِّن لهذا الصّحابي ولنا، أنَّه يكفي حتى يكون الإنسان مسلماً أن ينطق بالشَّهادتين، بأن يشهد بأن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، ويعلن انتماءه إلى الإسلام، ولكن حتَّى يكون مؤمناً، لا بدَّ من أن يدخل هذا الدين إلى عقله، ويبني عليه عواطفه ومشاعره وأحاسيسه، وينعكس على سلوكه وتصرفاته، ولا يتصرَّف إلا بوحيه. ولهذا، نجد القرآن الكريم يرفض قول الأعراب آَمَنَّا، لأنَّ الإيمان لم يدخل إلى عقولهم، ولم يتحرَّك في سلوكهم وحياتهم، بل قال لهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: 14]، والإسلام هنا بمعنى النطق بالشَّهادتين.

 

وقد ورد في الحديث: “الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ أَخَوَانِ تَوْأَمَانِ، وَرَفِيقَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ أَحَدَهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ”.

 

ومن هنا، وردت الإشارة إلى المؤمن في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.

 

وفي الحديث: “المُؤْمِنُ مَنِ ائْتَمَنَهُ المُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم وَأَنْفُسِهِم”، “المؤمنُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ”.

 

حجّةُ العقلِ على الخلق

 

الحديث الثَّاني: ورد عن ابن السكّيت، وكان من علماء اللّغة العربيَّة، وقد التقى بالإمام الهادي (ع)، فسأله: “لماذا بعث موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة السِّحر، وبعث عيسى بالطّبّ، وبعث محمّداً (ص) بالكلام والخطب؟ قال له الإمام الهادي: إنَّ الله تبارك وتعالى لما بعث موسى (ع)، كان الغالب على أهل عصره السِّحر، فأتاهم من عند الله عزَّ وجلَّ بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجَّة عليهم، وإنَّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى (ع) في وقت ظهرت الزّمانات – أي الأمراض – واحتاج النَّاس إلى الطبّ، فأتاهم من عند الله عزَّ وجلَّ بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجَّة عليهم، وإنَّ الله بعث محمَّداً (ص) في وقتٍ كان الغالب على أهل عصره الخطابة والكلام والشِّعر، فأتاهم من كتاب الله عزَّ وجلَّ ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجَّة عليهم. قال عندها ابن السكّيت: تالله! ما رأيت مثلك اليوم قطّ، فما الحجَّة على الخلق اليوم؟ قال (ع): العقل؛ يعرف به الصَّادق على الله فيصدّقه، والكاذب على الله فيكذِّبه. فقال ابن السكّيت: هذا والله الجواب”.

 

لقد أراد الإمام (ع) بذلك أن يشير إلى أهمية الدَّور الذي أعطاه الإسلام للعقل، عندما جعله حجَّة الله على خلقه، به يبلغون الإيمان، ويصدِّقون بما جاء عن الله، وما دعا إليه رسول الله (ص)، وما جاء عن أئمَّة أهل البيت (ع)، وهو الَّذي أشار إليه الحديث القدسيّ: “لمَّا خلَقَ اللهُ العَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثمَّ قالَ لهُ أَقْبلْ فَأَقْبَلَ، ثمَّ قالَ لَهُ أَدْبرَ فَأَدبرَ، ثمّ قالَ لهُ: وعزَّتي وجلالي، ما خلقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إليَّ مِنْكَ، إيَّاكَ آمرُ وإيَّاكَ أنهى، وإيَّاكَ أثيبُ وإيَّاكَ أعاقبُ”.

 

كتابُ العصورِ والأزمنة

 

والحديث الثالث الَّذي نذكره في هذا المقام، هو حديث جرى أيضاً مع ابن السكّيت، حين قال للإمام: “ما بالُ القرآنِ لا يزْدادُ عَلَى النَّشرِ والدَّرْسِ إلَّا غَضَاضةً؟ – أي جدّة ونضارة، فهو في تجدّد دائم، وقادر على أن يواكب كلَّ العصور والأزمنة، رغم أنَّه جاء في زمن مضى – فقال (ع): إنَّ اللهَ تَعَالى لم يَجْعَلْهُ لزمَانٍ دُونَ زَمَان، وَلَا لِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ، فَهُوَ في كلّ زَمَانٍ جَدِيدٌ، وَعِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ غَضٌّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ”.

 

فالقرآن الكريم يجري مجرى الشَّمس والقمر، واللّيل والنَّهار، فكما الشَّمس والقمر يتجدَّدان ليعطيانا النّور كلّ يوم، وعلى مدى الزمن، وفي كلّ أرض، كذلك القرآن الكريم يتجدَّد ليضيء لنا دروبنا في كلِّ زمن، وعلى كلِّ أرض، وسيبقى على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ

         

 

وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

 

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ

         

 

وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

 

الاقتداءُ بالإمام (ع)

 

أيُّها الأحبَّة: هذا هو الإمام الهادي (ع) الَّذي ملأ مرحلته عبادة وعلماً وعملاً وجهاداً وبذلاً وعطاءً ونصيحة، وبلغ بخلقه ما جعله مهوى قلوب النَّاس، كلّ النَّاس. فهل لنا نحن الَّذين نلتزمه، أن نرتفع إلى مستواه، لنكون على صورته ونهجه، ولنكون، كما أرادنا، زيناً له لا شيناً عليه، لنرسِّخ بذلك ارتباطنا بالله، ونحقِّق انتماءنا إليه والولاء له؟! وهذا لن نبلغه إلَّا بالاجتهاد في طاعة الله، والورع عن معاصيه.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثَّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، بإحياء هذا الشَّهر المبارك الذي أطلَّ علينا قبل يومين، والذي أشار رسول الله (ص) إلى أهميته، عندما قال: “إنَّ رجَبَ شَهرُ اللهِ العَظيم، لَا يُقارِبُهُ شَهْرٌ مِنَ الشُّهورِ حُرْمَةً وَفَضْلاً”.

 

فهذا الشَّهر هو واحد من الأشهر الأربعة الَّتي جعلها الله أشهر سلام على مستوى الأفراد والجماعات والدول، فيها تتوقَّف الحروب، وتتجمَّد النزاعات، وتبرد الخلافات، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ المبدأ في الإسلام هو السِّلم، حين جعل ثلث السَّنة أشهر سلام، ودعا إلى أن يكون المبدأ هو السَّلام في بقية السنة. وهو شهر للعبادة من خلال ما ورد فيه من الدعاء، والدعوة إلى الصّيام والقيام والذكر وقراءة القرآن والصَّدقة، وهو شهر تتضاعف فيه الحسنات كما تتضاعف السيّئات.

 

إننا، أيُّها الأحبَّة: أحوج ما نكون إلى أن نغتنم فرصة هذا الشَّهر، بأن ننعم بأجوائه الروحية والإيمانية التي تجعلنا أقرب إلى الله، وأقدر على مواجهة أنفسنا الأمَّارة بالسوء، وعلى مواجهة التحدّيات.

 

القلقُ من تجدُّدِ الحرب!

 

والبداية من دخول العام الميلادي الجديد، والَّذي يأمل اللبنانيّون أن يحمل إليهم تباشير الأمل، بإخراجهم من كل ما عانوه ولا يزالون يعانونه، بعد كل الذي جرى لهم بفعل العدوان الَّذي شنَّه العدوّ الصهيوني على هذا البلد، والذي أدَّى إلى كلّ هذا الدَّمار الهائل الذي نشهده في المباني والمؤسَّسات والأراضي وعلى صعيد المزروعات، والذي لفَّ الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وأدّى أيضاً إلى ارتقاء عدد كبير من الشّهداء، وخلّف الكثير من المعوَّقين والنازحين من بيوتهم

 

فلا يزال القلق يساور اللبنانيّين من تجدّد هذه الحرب بكلّ مآسيها الَّتي لا يرغبون لها أن تتكرَّر، والتي يشير إليها استمرار العدوّ بخروقاته، في التفجير للبيوت في البلدات التي احتلها خلال عدوانه، والتمدد إلى تلك القرى التي لم يكن قد وصل إليها، وفي الغارات، والتي لن يكون آخرها في إقليم التفاح، والتي استهدفها لأوَّل مرَّة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ومن التسريبات الإعلامية والتصريحات التي تصدر عن قادة العدوّ بأنَّه سيستمرّ حتى بعد الستين يوماً في ضرب أيّ هدف يراه تهديداً لأمنه، بادّعائه عدم تنفيذ لبنان لما اتُّفق عليه. وما يعزّز هذا القلق، هو تمديد عودة مستوطني الشّمال إلى شهرين إضافيّين، وعدم صدور مواقف واضحة وضاغطة من اللّجنة المكلّفة وقف إطلاق النّار على العدوّ لإلزامه بالاتفاق، أو في الحدّ الأدنى توجيه اللّوم إليه، ما يمنحه حريَّة العمل والاستمرار في خروقاته.

 

يجري ذلك في الوقت الَّذي يقوم الجيش اللبناني بكلّ ما يتوجَّب عليه في الاتفاق، فيما تعلن المقاومة أنها تقف وراء الدولة في مواجهة خروقات العدوّ، وأنها لن تردَّ على استفزازته.

 

الحذرُ من غدرِ العدوّ

 

ونحن على هذا الصعيد، ورغم كل هذه الخروقات والتهويلات التي يريد منها العدوّ ابتزاز لبنان للحصول على تنازلات تمسّ المقاومة واستقلال البلد، فإننا نرى أن لا خوف على الاتفاق مما يجري، بعد أن أصبح واضحاً أنّ للعدوّ مصلحة في تنفيذه، وأن لا خيار له إلَّا الالتزام به لعودة مستوطنيه الى الشّمال، بعدما عجز في خلال حربه، ورغم كلّ التدمير الذي قام به، عن إعادتهم إلى بيوتهم وتأمين سبل الأمان لهم، وهو سوف يعجز إن حاول مرة أخرى، كما أنَّ بقاءه على الأراضي اللبنانية، سيمنح المقاومة شرعية وطنية ودولية للاستمرار في الدور الذي أخذته على عاتقها منذ انطلاقتها، وهي أعلنت بكلّ صراحة بأنها ستتابع هذا الدَّور إن لم ينسحب العدوّ من الأراضي اللبنانية، ولم يلتزم ببنود الاتفاق الموقَّع بينه وبين الدولة اللبنانية.

 

ولكن هذا لا يعني عدم الحذر من غدر هذا العدوّ الذي قد يغامر باستكمال العدوان، لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها بداية الحرب وعجز عن تحقيقها، رهاناً منه على متغيرات يراها تخدم مصالحه، إن على صعيد المنطقة، أو بعد تسلم الرئيس الأمريكي الجديد سدَّة الرئاسة لفرض شروط إضافيَّة على لبنان.

 

الاستحقاقُ الرّئاسيّ

 

أمَّا الأمر الثاني الذي يتطلع إليه اللبنانيون في السنة الجديدة، فهو إنجاز الاستحقاق الرئاسي في الوقت المقرَّر له في التاسع من كانون الثاني، والذي بات ملحاً، لما له من دور في تثبيت الاستقرار وفي انتظام عمل المؤسَّسات، بدءاً من تشكيل حكومة أصيلة، والتي تقع عليها مهمّة معالجة كل الملفَّات العالقة، والبدء بالإعمار الَّذي يبقى الهمَّ الأساس الذي يقع على عاتق هذه الحكومة وعليها الإسراع به

 

وهنا نجدّد الدعوة إلى القوى السياسية لإزالة كل العوائق التي لا تزال تقف أمام بلوغ هذا الاستحقاق، وعدم تركه رهينة المصالح الخاصَّة والفئوية أو الرهانات الخارجيَّة، والوصول إلى صيغة اتفاق تضمن انتخاب رئيس يحفظ وحدة لبنان وسيادته ومستقبله في هذا المنعطف الحسَّاس من تاريخ المنطقة، ويكون قادراً على النهوض بأعباء هذا الوطن وإخراج إنسانه من معاناته.

 

التّعاونُ المطلوبُ في سوريا

 

أمَّا على صعيد سوريا، فإنَّنا نتطلَّع مع كل السوريين، إلى أن تتحقَّق آمالهم بوطن ينعم بالأمن والوحدة والاستقرار، الوطن الَّذي يستحقونه، والذي نرى أنَّه لن يحصل إلا بتعاون كلّ مكوّنات هذا الشّعب، وعدم شعور أي مذهب أو طائفة أو موقع من المواقع السياسيَّة بالغبن والتهميش والإقصاء، ليكون هذا البلد قادراً على مواجهة التحدّيات التي تنتظره، إن في الداخل، أو في مواجهة العدو الصهيوني الذي لا يكفّ عن النيل من مقدّرات هذا البلد على كل الصّعد، وهو في ذلك لا يتهدَّد البلد فقط، بل العواصم العربيَّة، والتي لن يكون لبنان الجار الشَّقيق بمنأى عن تداعياتها.

 

استمرارُ الإبادةِ في غزّة

 

أمَّا في غزَّة، فإننا نأمل أن تكون السنة الجديدة محطة لإيقاف حرب الإبادة التي لا يزال العدوّ الصهيوني يشنّها على هذا الشّعب الذي نحيّي فيه مقاومته وبسالته وصموده، وندعو العرب والمجتمع الدولي والأحرار إلى رفع الصَّوت عالياً لمساعدته لتحقيق آماله في عيش كريم في أرضه، وإخراجه من تحت نير عدوّ لا يقيم للقيم الإنسانية والأخلاقية أي اعتبار.

 

واجبُ التَّكافلِ الاجتماعيّ

 

وأخيراً، نعيد التأكيد على ضرورة تعزيز التكافل الاجتماعي والتعاون بين اللبنانيين جميعاً، لمواجهة الأعباء التي ترتَّبت على الحرب التي شنَّها العدوّ الصهيوني على هذا البلد، بأن يسند بعضهم بعضاً، ويقوّي بعضهم بعضاً، لا أن يستغلَّ بعضهم بعضاً، أو أن يضعف بعضهم البعض الآخر، أو يسجّل النقاط التي لن تكون على فريق دون آخر، بل على الوطن كله، وهذا مما عانيناه ولا نزال نعاني تداعياته، فقد آن للوطن أن يرتاح، ولإنسانه أن ينعم بالأمن والأمان والسَّلام والعيش الكريم.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير