هذه الجمعة هي آخر جمعة من شهر رمضان، وهي جمعة الخير والمغفرة والرَّحمة والبركة، الَّتي يعتق الله فيها عبادَهُ من نار جهنَّم، ويحوطهم بالرَّحمة والمغفرة.
ونحن نريد أن نقف مع الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع)، فيما كان يدعو به ربّه في وداع شهر رمضان. وليست المسألة مسألة وداع عاطفيّ، ولكن المسألة عند إمامنا (ع)، هي أنَّه أراد في دعائه هذا أن يبيِّن قيمةَ هذا الشَّهر في حياة الإنسان، وأن يبيّنَ تأثيرَه في النَّاس، في تقريبهم إلى الله، وفي توعيتهم بإسلامهم، وكيف يقفُ الإنسان في آخره بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليستعرضَ ما عملَه في هذا الشَّهر، وليستقبلَ ما يعملُه في المستقبل، وليطلبَ من اللهِ أن يغفرَ له ما ألمَّ به، وأن يوفِّقَه لأن يكون مستقبلُهُ مستقبلَ خيرٍ ومغفرةٍ ورحمةٍ ورضوان. ونحن نحاول أن نختارَ بعضَ فقرات هذا الدّعاء، ونريد للنَّاس أن يقرأوه في الأيَّام المقبلة.
ويتوجه الإمام (ع) بالسَّلام على هذا الشَّهر، تماماً كما لو كان الشَّهر كائناً حيّاً يتحسَّس ويعي ويشهد. وقد سبق للإمام زين العابدين (ع) أن تحدَّث في دعائه في الصَّباح والمساء عن الزَّمن بأنَّه شاهد، يشهد للإنسان بما عمله من خير، وعلى الإنسان بما عمله من شرّ: "وَهَذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْد، وَإِنْ أسَأنا فارَقَنا بِذَمّ".
فكأنَّ الزَّمن الَّذي يمرُّ بك، والَّذي هو حركة عمرك، يتحوَّل في يوم القيامة إلى شاهدٍ يشهد عليك بما فعلته من الخير والشّرّ. وهكذا أراد الإمام (ع) أن يصوِّر لنا شهر رمضان، كما لو كان كائناً حيّاً يخاطبه كما يخاطب بعضنا بعض.