18/04/2025

إدخال السّرور: مفتاح الخير في الدّنيا والنّجاة في الآخرة

إدخال السّرور: مفتاح الخير في الدّنيا والنّجاة في الآخرة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين…

 
 
الخطبة الاولى  :
 

 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. صدق الله العظيم.

 

لقد أراد الله سبحانه لعباده المؤمنين أن يزرعوا السّرور حيث يتواجدون؛ أن يزرعوه على الوجوه، وأن يستودعوه القلوب، أن لا يتجاهلوا من ترهقهم الحياة بتعبها ومشقَّاتها ومشكلاتها واختباراتها وآلامها وهمومها، أن يكونوا هم اليد الحانية الَّتي تمتدّ إلى هؤلاء لتخفّف عنهم وتساعدهم، وتقوّي من عزيمتهم، وتشدّ من أزرهم، وتنفّس عنهم همومهم، وتفرّج عنهم كربهم، وتبعث فيهم الإحساس بالأمل والطّمأنينة.

 

أحبّ الأعمال إلى الله

 

وفي ذلك، وردت أحاديث شريفة عدَّة، منها: “إنَّ مِنْ أحبّ الأعمال إلى الله، إدخال السرور على قلب المؤمن، وأن يفرِّج عنه غمّاً، أو يقضي عنه ديناً، أو يطعمه من جوع”.

 

وقد جعله الله سبيلاً لتوقّي أهوال يوم القيامة، فقد ورد عن الإمام الصَّادق (ع): “إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدَّم أمامه، كلَّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة، قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن، فيقول له المؤمن: من أنت؟ فيقول: أنا السّرور الَّذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن”، وهذا ينطبق على أولادك، وزوجتك، وعلى الأيتام، والفقراء، والمحتاجين، ومن أثقلتهم الدّيون… عندما عالجت مشكلة من مشاكلهم، وسوَّيت قضيَّة من قضاياهم، وفرَّجت عن المكروب فيهم، وأزلت عنهم الهمّ والغمّ، وحلَّيت خلافاً من خلافاتهم

 

الطّريق إلى الجنّة

 

وورد في الحديث عن الإمام الصّادق (ع)، في إشارة إلى واحد من الطرق الكثيرة إلى الجنَّة: “أوحى الله تعالى إلى داود (ع): إنَّ العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة، فأحكّمه بها في الجنَّة – أي يجعل الجنَّة تحت تصرّفه، ويتحرك فيها كيفما يشاء – فقال داود (ع): وما تلك الحسنة يا ربّ؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورًا ولو بتمرة، فقال داود (ع): حقّ لمن عرفك ألَّا يقطع رجاءه منك”.

 

هذا على صعيد الآخرة، أمَّا على صعيد الدّنيا، ففي الحديث: “فوالَّذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبًا سرورًا، إلَّا وخلق الله له من ذلك السّرور لطفًا، فإذا نزلت به نائبة، جرى إليها كالماء في انحداره، حتّى يطردها عنه كما تُطرَد غريبة الإبل”.

 

وعن أبي عبد الله (ع) قال: “أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة، نفّس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة، ومن يسَّرَ على مؤمن وهو معسر، يسَّر الله له حوائج الدنيا والآخرة، وإنَّ الله لفي عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه المؤمن، فانتفعوا في العظة، وارغبوا في الخير”.

 

فالسّرور الَّذي ندخله على قلوب الآخرين يصل إلينا، ومن خلاله، ندفع البلاء عن أنفسنا وعمَّن نتولى أمرهم.

 

ولأهميَّة هذا السّلوك، نرى أنَّ رسول الله ربط سروره وسرور الله عزَّ وجلَّ به، فقال: “مَن سرَّ مؤمنًا فقد سرَّني، ومَن سرَّني فقد سرَّ الله، ومَن سرَّ الله أدخله جنَّته”.

 

وفي الحديث، أنَّ رجلًا جاء إلى الإمام الكاظم (ع) وهو في الحجّ، وقال له: إنَّ من يتولى أمرنا هو من محبّيكم، فاكتب لي كتابًا ليكشف لي كربي، وليعينني على قضاء حوائجي، فكتب له الإمام (ع) كتاباً، ورد فيه: “اعْلَمْ أنَّ لله تحتَ عَرشِهِ ظِلًّا لا يُسكِنُهُ إلَّا مَن أسدى إلى أخِيهِ مَعروفاً، أو نَفَّسَ عنهُ كُربَةً، أو أدخَلَ على قَلبِهِ سُروراً، وهذا أخُوكَ، والسَّلامُ”.  قال الرَّجل: فلمّا عدت من الحجّ، دخلت إلى الوالي وأعطيته كتاب الإمام (ع)، فقبَّله ووضعه على رأسه وقضى لي حاجتي، فلقيت الإمام الكاظم (ع) في السنة التالية، وحدّثته بما فعل الوالي. وبينما كنت أتحدَّث، كان وجهه يتهلَّل فرحًا، فقلت: يا مولاي، سرّك ذلك؟ فقال (ع): “أي والله، لقد سَرَّني، وسَرَّ أمير المؤمنين، والله لقد سَرَّ جَدّي رسول الله، ولقد سرَّ الله تعالى”.

 

من صور إدخال السّرور

 

وإدخال السّرور على قلب المؤمن له صور عديدة، من قبيل الابتسام في وجهه، زيارته، إهدائه، مساعدته وسدّ حاجته، وتهنئته في أفراحه، ومشاركته في أحزانه، وتفريج غمّه وهمّه، وعيادته في مرضه، وتفقّد أحواله، وهو يأتي أيضًا في الكلمة الطيّبة والنَّصيحة. ولا يقف الأمر عند الأحياء، بل يصل إلى الأموات، فنحن ندخل السرور على قلوبهم، عندما نؤدّي الواجبات عنهم، أو نقوم بأعمال الخير على اسمهم وعلى نيَّاتهم، وهذا ما كنَّا نقرأه في دعاء كلّ يوم من شهر رمضان المبارك: “اللَّهمَّ أدْخِلْ على أهلِ القبورِ السّرور”.

 

أفضل السَّعادة

 

واللَّافت أنَّه عندما يبادر الفرد إلى ذلك من دون طلب، وبعيداً من الخدمة أو الواجب، فهذا من شأنه ليس فقط أن يُفرِّج همَّ المهموم ويثلج صدره، بل أن يدخل الفرح إلى قلبه

 

إنّها سعادة ليس بعدها سعادة، يشعر بها الإنسان عندما يسعد آخرين أو يشارك في إسعادهم، هي سعادة لا يحسّ بها إلَّا الَّذين يعيشونها بكلّ صفائها ونقائها، ممن لا يريدون بها إلَّا وجه ربهم، ممن يملكون قلوباً نقيّة، شفَّافة، مضيئة، تضيء على من حولها أمناً وأماناً وسلاماً.

 

ويبقى من السّرور الَّذي ندخله على الآخرين، عندما ندلّهم على طريق سعادتهم، الطَّريق الَّذي يوصلهم إلى رضوان الله وجنّته حيث النَّعيم الدَّائم، وهو السرور الحقيقي الذي وجّهنا الله سبحانه وتعالى إليه، وأشارت إليه الآية التي تلوناها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. وكما قال أمير المؤمنين (ع): “أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوؤهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فَمَا نَالَكَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلا تُكْثِرْ بِهِ فَرَحًا، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلا تُتْبِعْهُ أَسَفًا، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ، وَهَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ”.

 

 فلنحرص على أن نكون من الَّذين أودع الله عزَّ وجلَّ لديهم هذه القلوب، لتتمثَّل قلوب الأنبياء والصدّيقين والشّهداء، الَّذين أفنوا حياتهم وأتعبوها من أجل أن يدخلوا السّرور على قلوب النَّاس، بجعلهم يسيرون على هدى الله الَّذي هو سبيلٌ لراحتهم في الدّنيا، وسعادتهم في الآخرة

 

النّفوس المعطاءة

 

أيّها الأحبَّة: إنّنا أحوج ما نكون، وسط التوترات والأزمات الَّتي نشهدها على الصَّعيدين المعيشي والاجتماعي، وعدم الاستقرار السياسي والأمني، إلى تلك النفوس الطيّبة المعطاءة الَّتي تبثّ بذور التّفاؤل والأمل في الحياة. بهؤلاء تُبنى الحياة وتنمو، فالحياة لا تُبنى بزارعي اليأس والقنوط والكآبة والقلق، فلا يبخل بها الزَّوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والأولاد على أهلهم، والأهل على أولادهم، والتّاجر على زبائنه، والمدير على موظَّفيه، والمدرِّس على طلّابه، والطّبيب على مرضاه… وأن نعمّمها في مساجدنا ونوادينا وكلّ مواقعنا، حتى نخرج مما نعاني، وبدون ذلك، سنزداد إحباطًا ويأسًا وتراجعًا.

 

السّرور للنَّاس جميعاً

 

والسرور الذي دعانا الله إليه وينبغي أن نعمل له، لا يقف عند حدود من نتوافق معهم في الدين أو المذهب أو الرأي أو الموقع السياسي، بل ينبغي أن يكون لكلّ الناس، ودائمًا نتذكَّر قول رسول الله (ص): “الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّ خلقه إليه أنفعهم لعياله، ومن أدخل على أهل بيت سرورًا”، وهو الَّذي عبّر عنه أمير المؤمنين (ع) عندما قال: “خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ، “كونوا في النَّاس كالنَّحل في الطَّير”.

 

جعلنا الله سبحانه ممن يدخلون السّرور على قلوب الآخرين، لا لشيء، إلّا حبًّا بإسعاد من حولنا، وتخفيف معاناتهم، وبعث الحيويّة لديهم، إنّه مجيب الدّعاء.

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

الخطبة الثّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) أصحابه، عندما قال لهم: “أُوصِيكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقْوَى اللهِ، وَكَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلاَئِهِ إِلَيْكُمْ، وَنَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ، وَبَلَائِهِ لَدَيْكُمْ. فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةٍ، وَتَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةٍ! أَعْوَرْتُمْ لَهُ فَسَتَرَكُمْ، وَتَعَرَّضْتُمْ لأخْذِهِ (لعقابه) فَأَمْهَلَكُمْ!

 

وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْـمَوْتِ، وَإِقْلاَلِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ!

 

فَكَفَى وَاعِظًا بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ، حُمِلُوا إلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبِينَ، وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّارًا، وَكَأَنَّ الآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَـهُمْ دَارًا، أَوْحَشوُا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ، وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ، وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا.

 

فَسَابِقُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا، وَالَّتِي رُغِّبْتُمْ فِيهَا، وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْـمُجَانَبَةِ لِـمَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ غَدًا مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ”.

 

أيّها الأحبّة: هذه وصيّة أمير المؤمنين تركها لنا، فلنستوص بها، لنكون أكثر وعيًا ومسؤوليّة، وحتى لا تغرّنا الدنيا بغرورها، وننسى مستقرّنا الذي لا بدَّ من الوصول إليه، ولنعبّر بها عن حبّنا له والانتماء إليه، وعندها نستطيع أن نواجه أقصى التّحدّيات.

 

ضغوطٌ على لبنان

 

والبداية من لبنان الّذي تتواصل الاعتداءات الصّهيونيَّة عليه، عبر القصف اليومي الَّذي يطاول القرى الحدوديّة، بغية منع الأهالي الذين يصرّون على العودة إليها، وهو يتمدد خارجها، وينشئ له مراكز واستحكامات جديدة، فيما يستمرّ هذا العدو بعمليّات الاغتيال التي تطاول المواطنين وهم في قراهم، وفي أثناء تنقلهم، وعبر الطّلعات الجويّة التجسسيّة، وخرقه لجدار الصوت في العديد من المناطق اللبنانيّة، وصولًا إلى العاصمة بيروت وضواحيها.

 

لقد أصبح من الواضح أنَّ هذه الاعتداءات تأتي في إطار الضّغوط التي تمارس على لبنان للرضوخ للشّروط التي يريد أن يمليها العدوّ عليه، أو أن يخضعه من خلالها.

 

ونحن هنا نعيد دعوة الدولة اللبنانيّة إلى أن تعتبر إيقاف العدوان من أولى أولويَّاتها، بأن تستثمر كل جهودها، وتحرك دبلوماسيتها وعلاقاتها، وأن تستفيد من مواقع القوّة لديها لمواجهة ما يجري، وعدم الانصياع للضّغوط الّتي تتعرَّض لها، أو ترك العدوّ يعبث بسيادة هذا البلد، كي لا يصبح ما يجري أمرًا واقعًا وروتينيًّا وكأنّ شيئًا لا يحدث.

 

وفي الوقت نفسه، ندعو اللّبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسيّة، إلى تجميد خلافاتهم وصراعاتهم، والوقوف صفًّا واحدًا لمواجهة اعتداءات هذا العدوّ، وعدم السّماح له بأن يستفيد من أيّ خلاف داخلي، حتَّى لا يشكّل هذا الخلاف عونًا لهذا العدوّ الّذي يعي الجميع أنَّه لا يقيم وزنًا لهذا الوطن أو لمصالح شعبه.

 

إنَّ على اللبنانيين أن يعوا أن المشكلة الحقيقيّة في هذا البلد لم تكن في سلاح المقاومة الّذي وجد لأجل الدفاع عن الوطن كله، وهو لم يوجد للدفاع عن طائفة أو مذهب، أو ليدخل في صراعات الدّاخل، بل لمواجهة أطماع العدوّ التي نشهدها اليوم باستمرار احتلاله واعتداءاته، والّذي جاء التّعبير عنها من وزير الحرب الصهيونيّ، حين أعلن أنه سيبقى في المناطق التي احتلها في لبنان وسوريا وغزّة إلى أجل غير مسمَّى.

 

وهذا لا يعني أننا نمانع في الحديث عن هذا السّلاح، لكنّنا لا نريد أن يكون بناءً على إملاءات العدوّ ولحساب أمنه، بل بناءً على المصلحة الوطنيّة التي تأخذ في الاعتبار ضمان أمن هذا البلد وتحصينه من اعتداءات هذا العدوّ، بعد انسحابه من الأراضي اللبنانيّة كافّة، وإطلاق سراح الأسرى لديه، ووقف الاعتداءات اليوميّة جوًا وبرًا وبحرًا، بحيث لا يعود يشكّل خطرًا على هذا البلد.

 

إنّنا نرى أنَّ الحوار هو الأسلوب الأمثل لإيجاد حلّ لهذه القضيّة، وهو الطريق لإزالة الهواجس لدى بعض اللبنانيين من وجود هذا السّلاح أو سحبه، وأعتقد أنَّ المجال مفتوح للحلّ عندما تكون المقاربة بالطّريقة التي يطرحها من يحرصون على استقرار الوطن وسلمه الأهليّ، والبعيدة من كل استفزاز. وهنا ننوّه بالموقف الذي عبّر عنه رئيس الجمهوريّة في دعوته إلى الحوار على هذا الصعيد، وسعيه لإخراج هذه القضيّة من التجاذبات والصراعات السياسيّة والطائفيّة.

 

الانتخابات البلديَّة

 

ونصل إلى الانتخابات البلديّة الَّتي نتطلَّع إلى أن تكون محطّة مهمَّة على طريق عودة الثّقة الداخليّة لدى اللبنانيين بوطنهم، وتوحي إلى العالم بأنَّ لبنان بدأ يتعافى ويعمل على النّهوض من جديد رغم كلّ ما يعانيه، ونحن في الوقت الّذي نؤكّد أهميّة الموقف الرسميّ الذي أصرّ على إجرائها في وقتها، وأن تشمل حتى قرى الحافّة الأماميّة، نريد للجميع أن يجعلوا هذه الانتخابات بابًا للإصلاح وتفعيل العمل البلديّ، وذلك باختيار أهل الكفاءة والخبرة والنّزاهة، وبعيدًا من الاعتبارات التي عانينا وعانى البلد منها، وهي المصالح الفئويّة، وأن لا تكون مادة للصّراع السياسي أو الطائفي، فالانتخابات البلديّة ينبغي أن تأتي في سياق مشروع التنمية الداخلية، والتنافس بين من يقدم المشروع الأفضل، لا استعراضًا للعضلات السياسية، وسببًا للانقسام الداخليّ، في وقت أحوج ما يكون البلد إلى الوحدة وتراصّ الصفوف.

 

مجازر العدوّ في غزّة

 

ونصل إلى غزة التي يستمر العدوان الصهيوني عليها، ومجازره التي تستهدف الحجر والبشر وكل مظاهر الحياة فيها، بهدف تيئيس الفلسطينيين من البقاء في أرضهم، وإخراجهم منها طوعًا أو كرهًا، والّذي يستكمله في الضّفة الغربيّة، واقتحام مستوطنيه للمسجد الأقصى، في ظلّ صمت العالم وسكونه، سوى من أصوات ومسيرات تخرج في هذا العالم، ومع الأسف، لا تجد لها صدى.

 

إنّنا في الوقت الذي نحيّي صمود هذا الشعب على ثباته وصبره على مواقفه، وعدم التّنازل عن مواقع قوَّته، نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات التي تدعو العالم العربي والإسلامي وكل أحرار العالم، إلى الوقوف مع هذا الشّعب والدفاع عنه، وعدم السكوت عن كل ما يقوم به العدوّ.

 

العدوان على اليمن

 

وفي الوقت الذي ندعو إلى إيقاف العدوان على الشّعب اليمني، والتدمير الذي يجري لبناه التحتيّة، والذي لا ذنب له سوى وقوفه مع ظلامة الشّعب الفلسطيني ودفاعه عنه، ندعو الدّول العربيّة والاسلاميّة إلى أن لا تسمح باستباحة هذا البلد العربي والمسلم، والذي إن حصل، يمهّد لاستباحة أيّ بلد عربي وإسلامي، حتى لا يكون حالهم في ذلك حال الَّذي قال: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير