28/02/2025

الاستعدادُ لإحياءِ شهرِ رمضانَ بالطَّاعةِ والعبادة

الاستعدادُ لإحياءِ شهرِ رمضانَ بالطَّاعةِ والعبادة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين…

الخطبة الاولى  :

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185]. صدق الله العظيم.

 

الاستعدادُ للشَّهر الكريم

 

من نعم الله علينا، والَّتي تستوجب منَّا حمداً وشكراً، أن بلغنا شهر رمضان، الَّذي سنكون على موعد مع بدايته يوم غد إن شاء الله، لنحظى بخيراته وبركاته وعطاياه الجزيلة الَّتي يمنّ الله بها على عباده في هذا الشَّهر المبارك، والَّتي أشار رسول الله (ص) إليها عندما قال: “أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، هُوَ عِندَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ”. وهو “شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ“، ما يدعونا، أيُّها الأحبّة، إلى أن ندخل إلى هذا الشَّهر دخول الفرحين المستبشرين بقدومه، المتشوّقين إليه، وفي الوقت نفسه، أن نرى فيه محطَّة من أبرز محطَّات الزَّمن التي نتزوَّد فيها من معين أجوائه الرّوحيَّة والإيمانيَّة، ونبني أنفسنا على الصّورة الَّتي يريد الله لها أن تطبع كلَّ مراحل حياتنا.

 

شهرُ العبادةِ

 

ومسؤوليَّاتنا في هذا الشَّهر ينبغي أن لا تقف عند حدود الصّيام عن الطّعام والشّراب وبقيَّة المفطرات، رغم أهميَّة أدائنا لهذه الفريضة الَّتي هي جنّة من النَّار ووقاية منه، والَّتي أشار إليها الحديث القدسيّ: “الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”، بل هو تعدَّى ذلك إلى مسؤوليَّات أخرى حرص رسول الله (ص) على أن يلفتنا إليها في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان. قال (ص): “فَسَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ”، ثمّ قال: “وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ، وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغَضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لَا يَحِلُّ الْاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيَتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتِامِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَوَاتِكُمْ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، يَنظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ؛ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ، وَيُلَبِّيهمْ إِذَا نَادَوْهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ”.

 

إذاً، هذا الشَّهر بمنطق رسول الله (ص) هو شهر للصّيام والصّلاة وتلاوة القرآن والدّعاء والتَّوبة، وتذكّر يوم القيامة، والتّصدّق على الفقراء والمساكين، والقيام بأعمال البرّ، والتَّحنّن على الأيتام، والتَّواصل مع الأرحام، وتشديد الرَّقابة على اللّسان والسَّمع والبصر وبقيَّة الجوارح، وتحسين الخلق، والتّعامل الإنسانيّ مع ضعاف النَّاس.

 

وقد بيَّن رسول الله (ص) في خطبته عن مدى الكرم الإلهيّ والعطاء الَّذي يحظى به القائمون بمسؤوليَّاتهم، ففي هذا الشَّهر، تتضاعف حسناتهم أضعافاً مضاعفة، ويحظون فيه بالبراءة من النَّار وبالرَّحمة الإلهيَّة.

 

ومن هنا – أيُّها الأحبَّة – نحن مدعوّون، وقبل أن ندخل إلى هذا الشَّهر، إلى أن يُعِدَّ كلٌّ منّا برنامجاً له ولعائلته، وعلى مدى الشَّهر، في لياليه ونهاراته وأسحاره، نعيش فيه كلَّ الأجواء الرّوحيَّة والإيمانيَّة، ونحظى فيه بالنَّتائج الكبيرة الَّتي أعدَّها الله عزَّ وجلَّ لنا في هذا الشَّهر، وأشار إليها رسول الله (ص).

 

أفضلُ أعمالِ الشَّهر

 

وأفضل الأعمال في هذا الشَّهر، هو الإقبال على تلاوة القرآن الكريم؛ هذا الكتاب الذي أنزله الله ليكون موعظةً وشفاءً وهدى ورحمة للمؤمنين، وكما قال أمير المؤمنين (ع): “تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ”.

 

وهو ما ينبغي أن نحرص عليه في كلّ السنة، وقد ورد في الحديث: “الْقُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ، فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ، وَأَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً”.

 

ولقراءة القرآن خصوصيَّة في هذا الشَّهر، ففي هذا الشَّهر نزل القرآن الكريم على رسول الله (ص)، وهو في غار حراء يتعبَّد الله… وقد ورد فيه أنَّه “مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ”، وفي الحديث: “لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ رَبِيعٌ، وَرَبِيعُ‏ الْقُرْآنِ‏ شَهْرُ رَمَضَانَ”. فليكن لنا برنامجنا فيه على صعيد تلاوته وحفظ آياته وتدبّر معانيه.

 

ونحن إن أخذنا بذلك، لن ندع أحداً يأخذنا إلى برامج قد أعدَّها لنا تحت عنوان إراحة الصَّائمين والرّغبة في ترفيههم، بحيث تجدنا ننتقل من مسلسل تلفزيونيّ إلى آخر، أو من برنامج ترفيهيّ إلى آخر، أو برامج نبتدعها، هذا إذا لم يشتمل ذلك على ما يضعف مناعتنا الرّوحيّة والإيمانيّة، أو يوقعنا في محذور الحرام.

 

وهناك نقطة أحبّ أن أشير إليها مع بداية هذا الشَّهر، وهي أن شهر رمضان ليس شهر الامتلاء من الطَّعام والشَّراب، ولا هو شهر الإسراف فيهما، لذا ينبغي ألَّا ينطبع شهر رمضان بهذه الصّفة، بل أن يكون شهر التَّوازن، وأن نحرص على الالتزام بالآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

 

اغتنامُ الوقتِ في رمضان

 

أيُّها الأحبَّة: أيَّام هذا الشَّهر ولياليه وساعاته ودقائقه وثوانيه، هي ثمينة وغالية، فلا ندعها تضيع، ولا نهدر لياليه ونهاراته وأسحاره، بل نملأها عبادةً وابتهالاً وذكراً لله، وبأعمال الخير لأقربائنا وفقرائنا وللنَّاس من حولنا، وتسامحاً ومحبَّة وألفةً تفيض من القلوب وتبدو على صفحات الوجوه. فطوبى للصَّائمين والقائمين والمستغفرين في الأسحار والتَّالين كتابَ الله، والباذلين الخيرَ من على ألسنتهم وقلوبهم وكلّ ما يجري على أيديهم!

 

فلنتوجَّه إلى الله سبحانه، حتَّى يعيننا على أداء مسؤوليَّتنا فيه، بما كان يدعو به رسول الله (ص) عندما يهلّ هلاله: “اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَافِيَةِ الْمُجَلِّلَةِ، وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ، وَدَفْعِ الْأَسْقَامِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالْعَوْنِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِشَهْرِ رَمَضَانَ وَسَلِّمْهُ لَنَا وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا، حَتَّى يَنْقَضِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا”.

 

وكما كان يقول زين العابدين (ع): “وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا… وأَنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيْهِ مِنَ الأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، بِمَا تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، يا أرحم الرَّاحمين”.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثَّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرّضا (ع) أحد أصحابه في آخر جمعة من شهر شعبان، عندما قال له: “إِنَّ شَعْبَانَ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ، وَهَذِهِ آخِرُ جُمُعَةٍ فِيهِ، فَتَدَارَكْ فِيمَا بَقِيَ تَقْصِيرَكَ فِيمَا مَضَى مِنهُ، وَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيكَ، وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالْاستِغْفَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ… وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ، لِيَقْبَلَ شَهْرُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلا تَدَعَنَّ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ إِلَّا أَدَّيْتَهَا، وَلا فِي قَلْبِكَ حِقْدًا عَلَى مُؤْمِنٍ إِلَّا نَزَعْتَهُ، وَلا ذَنْبًا أَنْتَ مُرْتَكِبٌ إِلَّا وَأَقْلَعْتَ عَنْهُ… وَأَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ: اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ غَفَرْتَ لَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ، فَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ”.

 

فلنبادر، أيُّها الأحبَّة، للقيام بكلّ ما دعانا إليه الإمام (ع)، لنقبل على شهر الله بقلوب طاهرة نقيَّة صافية خالية من كلّ حقد وحسد، حتَّى لا تكون حاجزاً بيننا وبين الله، لنحظى ببركات هذا الشَّهر، وما أُودع فيه من عطايا ومواهب جزيلة، وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤوليّة وقدرةً على مواجهة التَّحدّيات.

 

مهمّاتٌ منتظرةٌ للحكومة

 

والبداية من الحكومة اللّبنانيَّة التي نالت ثقة المجلس النّيابيّ، ما يجعلها أمام تحدّي ما التزمت به تجاه اللّبنانيّين، بأنَّها ستعمل على بناء دولة قويَّة خالية من الهدر والفساد، وإخراجهم من الأزمات الَّتي تعصف بهم على الصَّعيد المعيشي والحياتي والاقتصادي والمالي، واستعادة المودعين لأموالهم، والعمل الجادّ للضَّغط على الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النَّار، لإخراج العدوّ الصّهيونيّ من المواقع والأراضي التي احتلَّها، والتي يعلن هذا العدوّ على لسان وزير حربه، أنَّه ينوي البقاء فيها، وبضوء أخضر أمريكيّ، ومعالجة جادَّة للخروقات المستمرَّة للاتّفاق الجاري مع الدولة اللبنانيّة، الّتي يبدو أنَّه ليس بوارد إيقافها، وبإعمار ما تهدَّم بفعل هذا العدوّ، والذي يخشى أن يطول مع محاولة العدو مقايضته بمطالب سياسيَّة وأمنيَّة تمسّ السيادة والمصلحة اللّبنانيَّة، وقد يكون منها ما صدر عن أحد المسؤولين في الإدارة الأميركيَّة، بدعوة لبنان وسوريا إلى الدّخول في ما يسمَّى بالاتفاق الإبراهيمي.

 

ونحن أمام ما جرى، نجدّد ما قلناه في الأسبوع الماضي، بأنَّ الثّقة الَّتي نالتها الحكومة لن تكون كافية إن لم تحظ بثقة اللّبنانيّين، لتكون تعبيراً عن آمالهم وطموحاتهم، وتعيد إليهم الثقة بدولتهم التي فقدوها، ما جعلهم يهيمون على وجوههم في بلاد الله الواسعة، ويبحثون فيها عن مكان يلجأون إليه لتحصيل أرزاقهم واستعادة كرامتهم.

 

إنَّنا لن نحمّل الحكومة أكثر من طاقتها، ولكنَّنا نريدها أن تبذل كلَّ ما في وسعها للقيام بدورها، وأن تقدّم أنموذجها وتميّزها وحسن أدائها، وهي قادرة على ذلك إن هي عملت كفريق متجانس، وكان هاجسها مصلحة الوطن وإنسانه، وبعيدة كلّ البعد عن المحاصصات التي أرهقت البلد وأوصلته إلى ما وصل إليه.

 

ونحن في هذا المجال، ندعو القوى السياسيَّة الفاعلة والمؤثّرة، إلى أن يوفّروا لهذه الحكومة كلَّ الظروف التي تضمن لها القدرة على القيام بمسؤوليَّاتها، وأن يعينوها عليها، بأن لا يكون الوقوف معها مشروطاً بمدى الحصول على المكاسب والمغانم منها، أو أن يحكم عمل المعارضة الكيديَّة ووضع العراقيل أمامها، بل بتصويب مسارها وإلفاتها إلى نقاط ضعفها.

 

إنَّنا نعي حجم الانقسام الموجود في البلد، سواء في أسلوب التَّعامل مع ملفَّات الداخل أو الخارج، ولكن هذا لا ينبغي أن ينعكس على مسار عمل الدَّولة وأدائها، بقدر ما يدعو إلى حوار جدّي وموضوعيّ مبنيّ على الاحترام المتبادل، وبعيد من التخوين والتخوين المضادّ، وهو الكفيل بإزالة الهواجس والمخاوف عند كلّ فريق تجاه الفريق الآخر.

 

الاستنفارُ في وجهِ العدوّ

 

ونعود إلى الاعتداءات الإسرائيليَّة التي شهدناها في الأيام الماضية، والتي ينبغي أن تكون على رأس أولويات العهد الجديد بشكل واضح وجليّ، حيث يستمرّ العدو الصهيوني في ضربه عرض الحائط الاتفاق الموقَّع مع لبنان، باستمرار احتلاله للنقاط التي يعلن عن بقائه فيها، أو في الغارات اليوميَّة التي طالت البقاع والجنوب، وحصدت العديد من الشّهداء، والذي تجاوز في عدوانه كلّ الحدود، عندما حلَّقت طائراته في يوم التَّشييع، أو عندما أثار الحديثَ عن استهداف المشيّعين خلاله، وهو الأمر الذي يستدعي استنفاراً وحالة طوارئ من الدَّولة اللبنانيَّة للاحتجاج الصارخ في المؤسَّسات الدوليَّة، أو على صعيد الدول الراعية للاتفاق، بما يشكّل تعبيراً عن كلّ الأصوات التي انطلقت خلال التَّشييع المهيب، والَّتي أعلنت رفضها للذّلّ، رغم كلّ الجراح الَّتي عانتها وتعانيها،  والَّذي نجد تجسيداً له في التَّأبين اليومي الحاشد للأعداد الكبيرة من الشّهداء، والَّذي نرى نموذجاً منه في المئة شهيد الَّذين يشيَّعون اليوم في بلدة عيترون.

 

إنَّ من المؤسف أن لا نشهد انعكاساً لهذه الصورة المطلوبة على المستوى الرسمي، ومن الكثير من القوى السياسية التي لا يستفزّها ما يجري من اعتداءات تطاول سيادة لبنان، ولا كلّ هذه الدماء التي تسيل، وكأنَّ الذي يجري ليس في هذا البلد.

 

سوريا في قبضةِ العدوّ

 

ونصل إلى سوريا، التي يتابع العدوّ سعيه لابتلاع مساحات جديدة من أراضيها، والتي تجاوزت في مساحتها مساحة لبنان، سعياً منه لإضعاف هذا البلد وتفتيته، والَّذي قد يكون مقدّمة للتقسيم في ساحات أخرى، ما يدعو السلطات السوريَّة، ومعها الدول العربيَّة، إلى التنبّه إلى مخاطر ما يقوم به العدوّ وما يترتَّب عليه، وأن ترى في ذلك أولويَّة تنعكس في مواقفها وفي القمَّة العربيَّة المرتقبة.

 

ونبقى في المجال السوري، لنجدّد تأكيدنا للحكم الحاليّ بضرورة حفظ خصوصيات مكوّنات هذا البلد واحترام مواقعها، ونحذّر من التغاضي عمّا يؤدي إلى الشَّحن الطائفيّ والمذهبيّ، والقيام بما يعتبر مسّاً بالحريَّات الدّينيَّة وبالوحدة الوطنيَّة التي ينبغي الحفاظ عليها، والّتي أكَّدها مؤتمر الحوار الذي جرى مؤخّراً.

 

غداً أوّلُ شهرِ رمضان

 

وأخيراً، سنكون غداً على موعد مع بداية شهر رمضان، الَّذي نريده أن يكون شهراً ننعم فيه بفيوضات الرَّحمة الإلهيَّة، وأن نستلهم فيه كلَّ المعاني التي أرادها الله سبحانه من خلال الصَّوم، ومبعثاً للقيم الروحية والإنسانية، وتعزيزاً لروح البذل والعطاء الَّتي دعانا الله سبحانه وتعالى إليها وحثَّنا عليها، والتي نحن أحوج ما نكون إليها، وأن يكون هذا الشَّهر مبعث خير وسلام ومحبَّة تفيض على اللّبنانيّين والعرب والمسلمين وكلّ العالم.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير