26/07/2024

منْ أنواعِ الإفسادِ في الأرضِ: التَّعدِّي على المرافقِ العامَّة

منْ أنواعِ الإفسادِ في الأرضِ: التَّعدِّي على المرافقِ العامَّة


ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين…

 

وجاء في خطبته الأولى :

 

قال الله سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. صدق الله العظيم.

 

دعا الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآية الكريمة إلى عدم إفساد الأرض الَّتي يعيشون عليها، أن يبقوها على الصّورة الَّتي بناها عليها، فالله سبحانه وتعالى عندما أوجد الأرض، أوجدها نظيفة جميلة، يحكمها النظام والإتقان المودع فيها، وقد بيَّن لهم أنَّ الإفساد في الأرض هو نقيض الإيمان، فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً وهو يعبث فيها.

 

منْ مظاهرِ الإفساد

 

والإفساد، أيُّها الأحبَّة، تتنوَّع مظاهره، فقد يكون على الصَّعيد السياسي أو الاقتصادي أو الإداري أو المالي، ومن هذا الفساد الَّذي سنتوقَّف عنده اليوم، ما نشهده على صعيد المرافق العامَّة، وهي الشَّوارع والطرقات والحدائق العامَّة وشواطئ البحار والأنهار والماء والهواء، وأيّ مرفق من المرافق الَّتي يستفيد منها النَّاس، سواء كانت للدولة أو لأيّ جهة تعمل في الشأن العام، حين يستبيحها النَّاس ويرون لهم الحريَّة الكاملة في العبث بها.

 

وهذا نجده فيمن يستبيح الشَّارع ليوسِّع دائرة محلّه أو بيته، أو يحوّله إلى مقهى، أو من يركن سيَّارته فيه فيضيِّق مساحته، من دون أن يأخذ في الاعتبار الضرر الذي يحدثه للمارة أو السائرين عليه، أو إرباكه لحركة السير، وفي الشَّارع الذي هو حقّ للجميع، أو من يحفر الطَّريق من دون أن يعيد إصلاحه عند الانتهاء من الأشغال منه، أو يعبث بنظافة الشَّارع بأن يرمي بنفاياته من شبَّاك سيارته وسط الطَّريق أو خلال سيره فيه، أو من يوقف سيارته وسط الطَّريق ليشتري غرضاً، أو ليتحدَّث مع أحد المارَّة، أو ليركب معه أحد، من دون أن يحسب أنَّه يعطل حركة السير، أو من يتنزَّه ويترك بقايا طعامه وشرابه في الحديقة العامَّة أو على الشَّاطئ، أو يعبث بالورود والأشجار الَّتي تزرع في الحدائق والسَّاحات العامَّة وعلى جوانب الطرق، أو يكتب على الجدران العامَّة، أو يعلق الصَّور عليها، أو يستبيح الأنهار ليرمي فيها فضلات الطَّعام، ونرى من يعبث بالهواء الَّذي يتنفَّسه النَّاس، من خلال إشعال حرائق خاصَّة أو الدواليب، وما تثيره من الدخان، من دون أن يعي تأثير ذلك في صحة الآخرين، أو من يرفع صوت مذياعه فيزعج النَّاس من حوله، وقد يبرِّر البعض ما قد يقوم به بأنَّه يهدف إلى إحياء مناسبة دينيَّة والتَّعبير عنها، من دون أن يعي أنَّ الله لا يطاع من حيث يعصى، وأنَّ ذلك يسيء إلى المناسبة الَّتي لأجلها يعمل.

 

ومع الأسف، هذا يحصل من دون أن يشعر من يقوم بذلك بوخز ضمير، وأنَّه ارتكب إساءة أو حراماً، وحتى بات مثل هذا الفعل لا يدعو إلى استهجان من الآخرين، فيدعوهم إلى تأنيب من قام به.

 

حرمةُ التَّعدِّي على الأملاك

 

هذا الواقع الفاسد من الواجب إصلاحه، والمسؤوليَّة أمامه، كما هي مسؤوليَّة وطنيَّة واجتماعيَّة، هي مسؤوليَّة إيمانيَّة، فالإنسان المؤمن يرتكب خطيئة إن هو تعدَّى على الأملاك العامَّة أو أساء إليها، والذَّنب فيه أشدّ وأصعب وأكبر عند الله عزَّ وجلَّ من التعدّي على المرافق الخاصَّة، لأنَّ التعدي عليها هو التعدي على النَّاس جميعاً، والكلّ سيكون خصماء له، إن لم يكن في الدنيا، ففي يوم القيامة، لأنَّ كل الناس لهم حقّ فيها، وليس لأحد حقّ التصرف بدون رضاهم جميعاً.

 

وإلى هذا أشارت الآيات القرآنيَّة والأحاديث الشريفة، حيث ورد في ذلك قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

 

وفي الحديث: “إيَّاكم والجلوس بالطّرقات”، قالوا: ما لنا بدٌّ، إنَّما هي مجالسنا نتحدَّث فيها ولا غنى لنا عنها، فماذا نفعل؟! قال: “إن أبيتم، فأعطوا الطَّريق حقّه”، قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: “غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السَّلام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر”..

 

وفي الحديث حول من يرمي النّفايات على الطّريق: “مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ (أي رمى قذارته) عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.

 

ويحكى أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله (ص)، قال له: علِّمني شيئاً أنتفع به، قال (ص): “اعزل الأذى عن طريق المسلمين”.

 

وقد ورد في الحديث: “لا ضَرَر وَلَا ضِرَار” في الإسلام، وأنَّ “المسلم من سلم النَّاس من لسانه ويده”، “والمـؤمِنُ مَن أمِنَه النَّاسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم”.

 

رفعُ الأذى منَ الإيمان

 

ولم يقف الأمر عند الله عزَّ وجلَّ على الدَّعوة إلى كفّ الأذى، بل أراد من المسلمين أن يرفعوا الأذى إن هم رأوه، وأن يتعاونوا عليه إن هو حصل، واعتبر ذلك باباً لرضا الله وبلوغ الجنَّة، ففي الحديث: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطَّريق”.

 

وفي الحديث: “عُرِضتْ عليَّ أعمالُ أُمَّتي حسنُها وسيِّئُها، فوجدْتُ في محاسنِ أعمالِها أنَّ الأذَى يُماطُ عن الطَّريقِ”. وأكثر من ذلك، هو أراد من المسلمين أن يقوموا بكلِّ ما من شأنه أن يجعل من السَّاحات العامَّة مساحة للجمال ولراحة الناس، وما يحقِّق لهم  حسن الاستفادة منها.

 

ففي الحديث: “من شقَّ طريقاً، ومن حفر بئراً، ومن أزاح حجراً، كان أجره عند الله عظيماً”.

 

وفي الحديث: “إنْ قامَتِ السَّاعةُ، وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ، فإنِ استَطاعَ أن لا يقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها”..

 

وفي الحديث: “للعبد أجره وهو في قبره بعد موته: من علَّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته”.

 

مسؤوليَّةُ الحفاظِ على النّظام

 

أيُّها الأحبَّة: إنَّ من المؤسف أن لا نجد هذا السّلوك يحكم واقعنا وشوارعنا وشواطئنا وحدائقنا ومرافقنا العامَّة الَّتي نتواجد فيها، والتي وجدت لأجل أن نستفيد منها، وأن لا نرى فيها الصّورة الَّتي دعانا ديننا إليها، عندما اعتبر النظافة من الإيمان، وقد ورد في الحديث: “تنظَّفوا بكلِّ ما استطعتم، فإنَّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلا كلّ نظيف”.. وعندما دعا إلى إشاعة الجمال، والَّذي نشهده في خلقه، حيث يقول الحديث: “فإنَّ الله جميل يحبُّ الجمال”، وإلى الحفاظ على النظام العامّ، واعتبر الالتزام بذلك واجباً شرعيّاً ملزماً، ومخالفته خطيئة قد تكون كبيرة، وأنّ الإنسان يتحمَّل كلَّ النتائج التي تترتب على هذه المخالفة، فمن رمى بنفاياته على الطَّريق، أو أساء إلى مرفق عام يستفيد منه جميع النَّاس، فإنَّه بذلك لا يرتكب ذنباً فحسب، إنَّما سوف يتحمَّل مسؤوليَّة الإساءة إلى صحَّة الآخرين وإرباك مواعيدهم، أو إتلاف أعصابهم وتنغيص حياتهم والاعتداء على أوقاتهم.

 

ولعلَّ من المؤسف أن نكون حريصين على النَّظافة والبيئة وجماليَّة المرافق، عندما يكون هناك سلطة ضابطة أو عقوبات تفرض عند مخالفتها، فيما لا نشهد ذلك عندما لا يكون هناك سلطة تعاقب أو قانون يُجرِّم، وكأن لا رقابة لله ولا سلطة له علينا، ولا موقف سنقفه بين يديه لنحاسب على كلِّ ما جرى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}.

 

قيمةٌ علينا تعزيزُها

 

إنَّنا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه التربية، أن نبدأ بها بأنفسنا وبيوتنا وأولادنا في تربيتنا لهم، وعلى صعيد المجتمع، وأن نعزِّزها في نفوس الناس، بحيث يصبح الاهتمام بالمرافق العامَّة كما اهتمامنا بالممتلكات الخاصَّة بل أكثر، بحيث يوصي بعضنا بعضاً بذلك، ويحثّ بعضنا بعضاً عليه، ويتَّخذ بعضنا الموقف ممن يسيء إليها، تماماً كما يتَّخذ بعضنا الموقف من إنسان يترك معروفاً ويرتكب منكراً، أو يغتاب أو يكذب أو يشرب الخمر، نظراً إلى آثاره الَّتي قد تكون خطيرة، بل أن يكون موقفنا أقوى إزاء ذلك، وبذلك نحسِّن صورتنا أمام أنفسنا وأمام الآخرين، ونكون زيناً لديننا وقيمنا، وصورة جميلة عن واقعنا، لا شيناً عليه.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثَّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسين (ع) الَّذي لا نزال نعيش أيَّامه، عندما قال: “نافسوا في المكارم… واعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِكُم… واعلموا أنَّ المعروفَ مُكْسِبٌ حمْداً، ومُعْقِبٌ أجراً… أيُّها النَّاسُ: مَنْ جادَ سادَ، وَمَنْ بَخُلَ رَذُلَ، وإنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لا يَرْجُوه، وإنَّ أَعْفَى النَّاسِ مَنْ عَفَا عَنْ قدرةٍ، وَإِنَّ أوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَل مَنْ قَطَعَهُ، والأصولُ على مغارسِها بفروعِها تسمُو، فَمَن تعجَّلَ لأخيه خيراً وجدَهُ إذا قدمَ عليه غداً، ومَنْ أرادَ اللهَ تباركَ وتعالى بالصَّنيعةِ إلى أخيه، كافأَهُ اللهُ بها في وقْتَ حاجتِهِ، وصَرَفَ عنْهُ مِنْ بلاءِ الدّنْيا ما هوَ أكْثرُ منه، ومَنْ نفَّسَ كُربَةَ مؤمنٍ فرَّجَ اللهُ عنْهُ كُرَب الدّنيا والآخرة، ومَنْ أَحسَنَ أحسنَ اللهُ إليْهِ، واللهُ يحبُّ المحسنينّ”.

 

هذه وصايا الإمام الحسين (ع) لنا، والَّتي بها نعبِّر عن حبّنا ووفائنا وولائنا، وبها نكون أقدر على مواجهة التحدّيات.

 

تأييدٌ أمريكيٌّ للإجرامِ الصّهيونيّ

 

والبداية من غزَّة، حيث يواصل العدوّ الصّهيوني اتّباع سياسة القتل والترويع والتَّدمير الممنهج لكلِّ سبل الحياة فيها والحصار لها، والَّذي يستكمل بتصنيفه وكالة غوث اللاجئين بأنَّها إرهابيَّة، منعاً لوصول مساعداتها إلى غزّة، وهو يهدف من وراء كلِّ ذلك إلى تنفيذ ما بات يعلنه من إحكام السَّيطرة على القطاع، والإمساك بقراره وجعله تحت سيادته.

 

وإذا كان العدوّ يعلن عن رغبته بالعودة إلى المفاوضات، فللتخفّف من ضغوط الدَّاخل والخارج، ولكسب الوقت وتحقيق المزيد من المكتسبات في الميدان الَّتي تحسِّن شروطه في المفاوضات. وهو في ذلك يستفيد من تواصل الدَّعم غير المحدود الَّذي لا يزال يحظى به من الولايات المتحدة الأمريكيَّة، التي لا تزال تلتزم هذا الكيان، وتمدّه بكلِّ سبل الدَّعم، وإذا كان من مواقف تصدر عن مسؤولين فيها تدعو إلى وقف الحرب والدخول في المفاوضات الجارية، فإنَّها ليست بالجدية المطلوبة، ولا تشكِّل ضغطاً كافياً، بل أصبح واضحاً أنَّها تهدف إلى استقطاب جماهير ونخب تدعو إلى وقف إطلاق النَّار والعودة إلى المفاوضات، أو تلك الَّتي تقف مع القضيَّة الفلسطينيَّة

 

وقد ظهر واضحاً هذا التَّأييد للعدوّ، من خلال الحفاوة الَّتي حظي بها رئيس وزراء الكيان في الكونغرس رغم كلِّ الجرائم التي ارتكبها بحقِّ الشَّعب الفلسطيني في غزَّة والضفَّة الغربيَّة مما يندى له جبين الإنسانيَّة، ورغم القرار الصَّادر عن المحكمة الجنائية الدوليَّة، والذي صنَّف رئيس وزراء العدوّ كمجرم حرب، وقد دعا التَّصفيق الحارّ الَّذي تخلَّل خطابه البعض إلى أن يقول إنَّه خطاب تصفيق، رغم تهافت هذا الخطاب الَّذي أراد منه تسويق نفسه وكيانه والتنصّل من جرائم الإبادة، وأنَّه المدافع الأوَّل عن الحضارة والتمدّن في مقابل الوحشيَّة لدى من يقفون في مواجهته دفاعاً عن حقوق الشَّعب الفلسطيني، وأنَّه يريد السَّلام ويدافع عنه.

 

إنَّ من المعيب أن يستمع رجالات دولة تصنّف بأنَّها أقوى دولة في العالم، وتقدِّم نفسها كحامية لحقوق الإنسان، إلى مثل هذه الادّعاءات والأكاذيب الَّتي وردت في الخطاب، والَّذي مسَّ فيه بحقّ الشّعب الأمريكي بالتَّغيير، وبالجامعات الأمريكية التي سمحت للطلَّاب بالتَّعبير عن وجهات نظرهم، وقيامه بالتَّنديد بالمواقف الَّتي صدرت عن الكونغرس، والتي تدعو إلى إيقاف هذ الحرب والعودة إلى المفاوضات.

 

وهنا لا بدَّ أن نقدِّر كلَّ الذين قاطعوا هذا الخطاب، انطلاقاً من حسِّهم الإنساني، ورفضهم لمنطق هذا الكيان، الَّذين لا يريدون لأمريكا أن تكون لحساب خيارات نتنياهو، سواء كانوا من الكونغرس أو من تظاهروا خارجه، والَّذي أشار إلى بداية تغيّر في المزاج الأمريكي، والَّذي لا بدَّ أن يترك تأثيراته في المستقبل، وقد رأينا مشاهد منها في الحاضر.

 

تضحياتٌ فلسطينيَّةٌ ويمنيَّة

 

في هذا الوقت، يستمرّ الشَّعب الفلسطيني، ورغم الحجم الكبير للجراح والآلام الَّتي يعانيها، بتقديم أمثولة في الصَّبر والثَّبات في مواجهة هذا الكيان، وهو يقدِّم في ذلك التضحيات الَّتي باتت جسيمة وجسيمة جدّاً… ونحن نشدّ على أيدي هذا الشَّعب، ونحيّي بطولاته وكلّ الّذين يقفون معه في خطِّ المساندة له، ممن لم يتركوا هذا الشَّعب وحيداً رغم ما قد يعانونه من وراء ذلك ورغم بعد المسافة

 

ولا بدَّ أن نحيّي الذين يقدمون التضحيات في هذا الطريق، كما هو الحال مع الشَّعب اليمني في الاعتداء الَّذي تعرَّض له، وفي المحاولات المستمرَّة لإيقاف دعمه للمقاومة الفلسطينيَّة، لكن الردَّ جاء حاسماً بأنَّ ما جرى لن يثنيه عن الاستمرار بأداء دوره، وأنَّه لن ينام على الضَّيم الَّذي حصل له وسيردّ عليه، وهو بذلك يقدِّم أنموذجاً ينبغي أن يحتذى في العالم العربي والإسلامي.

 

أهميَّةُ لقاءِ الفصائل

 

ونبقى على الصَّعيد الفلسطيني، لنشيد بلقاء الفصائل الفلسطينيَّة في بكين، والعمل على التوافق فيما بينها، سعياً منها لتوحيد جهودها وقدراتها في هذه المرحلة في مواجهة ما يخطِّط له العدوّ الصّهيوني ويعلن عنه بالإجهاز على القضيَّة الفلسطينيَّة، مستفيداً من الخلافات فيما بينها

 

إنَّنا نأمل أن لا يكون ما تمَّ الاتفاق عليه حبراً على ورق، بل أن يتجسَّد تعاوناً وعملاً فاعلاً على الأرض، بعدما أصبح واضحاً للجميع أنَّ هذا العدوّ لا يفرِّق بين السّلطة في غزَّة أو الضفَّة، بل هو يريد السَّحق للجميع، ويشهد على ذلك أنَّ عمليَّات القتل البشعة والتَّدمير للبنية التحتيَّة لا تنحصر في غزَّة، بل هي تشمل أيضاً الضفَّة الغربيَّة ورام الله وكلَّ فلسطين.

 

مسؤوليَّةُ دعمِ المقاومة

 

ونصل إلى لبنان، الَّذي يصعِّد فيه العدوّ الصهيوني عدوانه على قراه، من خلال استهدافه للمدنيّين، وعمليَّات الاغتيال لكوادر المقاومة، أو تهديداته للبنان ومناوراته الَّتي يحاكي فيها الدّخول إلى أراضٍ لبنانيَّة، ما يدعو اللّبنانيّين إلى الوحدة في مواجهة ما قد يخطِّط له هذا العدوّ وما يهدف إليه، حيث لا يمكن مواجهته بهذا الترهّل، وبعدم الوقوف جميعاً على أرض صلبة

 

إنَّنا نجدِّد دعوتنا للبنانيّين إلى الوقوف مع المقاومة في معركتها هذه، وهي الَّتي تقدِّم في كلِّ يوم أنموذجاً في القدرة على ردع هذا العدوّ بالقدرات التي تمتلكها، وبالروح الَّتي لدى مجاهديها، بدلاً من التَّصويب عليها، وفي الوقت نفسه، العمل المشترك، وإبقاء الجسور فيما بينهم مفتوحة، لإخراج إنسانه من اليأس الَّذي وصل إليه بفعل معاناته الَّتي تحصل على الصعيد المعيشي والحياتي، والَّذي دفعه وقد يدفعه إلى أن يهيم في بلاد الله الواسعة.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير