برحيل الدكتور الأديب والمؤرخ إبراهيم بيضون، الذي انتقل الى جوار ربه قبل أيام، تفتقد الساحة الثقافية والفكرية فارساً من فوراسها؛ ولئن كانت شهبُه متوهجة تبعث بأنوراها الدرية وتنشر علينا ألقاً قبل أن يرحل إلى الملكوت الأعلى، حيث ووُريَ جسده في الثرى الأحد الماضي في بلدته الجنوبية بنت جبيل.
هكذا كان الدكتور إبراهيم بيضون متوهّجاً في دنياه غير آبهٍ بالمرض وتعقيدات الحياة فهو العصامي الشريف المتواضع المتلبس سكوناً شموخاً وإباء.
فهمته العالية التي لا يحملها إلا كبار النفوس من أمثاله لم تفتر يوماً ولم تشِخ، فبقيت نفحاته حيّة عليها مسوح الجمال تترى.
هو المؤرخ المقتحم لزنازين التاريخ المظلمة بدقّة صارمة، وهو الأديب الألمعيّ المشرقة معانيه المتكئة على موهبة فذّة وذاكرة سمينة...
مآثره الجليلة ومحبته لا تحدّ، فهو الغيور على وطنه وتراثه، الوفي لأصدقائه ولأجوائه العاملية، لا سيما العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "رض"، والسيدين الجليلين السيد محمد جواد فضل الله "رض"، والسيد محمد علي فضل الله "رض"... ولا ننسى جلساته في دارة العلامة الجليل السيد عبد اللطيف فضل الله في عيناثا، حيث استفاد الراحل من معينه في اللغة والفكر والتاريخ؛ هذه الدار التي أحبّها الراحل وتردّد كثيراً إليها، لا سيما في علاقته مع العلامة السيد علي عبد اللطيف فضل الله، الذي دأب على إقامة الندوات والمؤتمرات لإحياء التراث العاملي، والذي كانت له باع طويلة أيضاً في الدعوة والجهاد.
مع ملاحظة مهمة، وهي أن دارة المقدّس السيد عبد اللطيف فضل الله في بلدة عيناثا، والتي كانت قبلة للعلماء والفقهاء والشعراء قد دمّرها كلياً العدوان الإسرائيلي أخيراً.
أخيراً، وليس آخراً، لئن غبت عن الأحداق، فستظلّ ذكراك تنبجس في أذهاننا، وتعيش في قلوبنا، نحن محبوك في وطنك العربي الكبير، وأهلك وأصدقاؤك، وطلابك، وإن عزاءنا هذا لبعض من وفاء نبيل عرفناه لديك، نستودعك الباري.
محمد عبدالله فضل الله