المكتب الشرعي: جهاز المرجعيّة المؤسسة
مع طرح سماحة السيِّد لمرجعيّته الفقهيّة، بدت الحاجة ماسّةً إلى إطارٍ يضطلع بالجانب الذي يتّصل بحركة المرجعيّة بشكل مباشر، فتأسّس جهاز مؤسّسي تحت عنوان "مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله الخيريّة الثقافيّة"، ليشكّل جهاز المرجعيَّة، في عالم الاستفتاء، والقضاء، والتّبليغ، والعلاقات العامّة، والماليّة وما إلى ذلك.
وقد عاون السيِّد المرجع(رض) في عمل المكتب الشرعي ثلّة من العلماء من أهل الفضل والاجتهاد، وعلى درجة عالية ومميّزة من المعاصرة ومعرفة شؤون النّاس، وقد اكتسبوا من العمل تحت إشراف السيّد(رض) ـ ولا سيّما في الفتاوى وتطبيقاتها على الواقع، كما في الأفق الذي يعالجون فيه المشاكل والمسائل الشرعيّة ـ خبرة مميّزة جدّاً، قد لا توجد لدى كثير من المواقع المرجعيّة.
وقد كان من مهامّ المكتب الأمور الآتية:
ـ الإجابة عن الاستفتاءات الشّرعيَّة والاجتماعيّة الخطّية الورادة عبر البريد الإلكتروني، ورفعها إلى السيّد المرجع.
ـ الإجابة الشفويّة عن الأسئلة الشرعيّة مباشرةً أو عبر الهاتف، أو عبر برنامج إذاعي يومي.
ـ متابعة أوائل الشّهور القمريّة عبر استطلاع آراء أهل الخبرة لإقرارها في اجتماع مع السيّد المرجع.
ـ الإشراف على إعداد وطباعة الرّسالة العمليّة المطابقة لآراء السيّد(رض) الاجتهاديّة.
ـ استقبال المراجعين في مختلف الشؤون الدينية، والإجابة عن أسئلتهم ومشكلاتهم.
ومن الجدير ذكره، أنّ السنوات الخمس عشرة التي شكّلتها مرجعيّة السيّد(رض) حتّى وفاته، كانت فترة ضغط كبيرة على مستوى عمل مكتب الاستفتاء، حيث كان يصل إلى المكتب حوالى مائة استفتاء يوميّاً عن طريق البريد الإلكتروني، وكان السيّد يُراجع الأجوبة المقترحة من أعضاء المكتب بشكل مباشر، ويعدّل ما يحتاج إلى تعديل، ويضيف ما يحتاج إلى الإضافة، ويُمضي ما يوافق عليه.
واليوم، يُتابع العلماء في المكتب الشرعي عملهم في الإجابة عن أسئلة النّاس، استناداً إلى فضلهم وخبرتهم، مزوّدين بالأرشيف الضّخم للاستفتاءات والإجابات التي تشكّل مرجعيّةً لهم للمراجعة والتّدقيق.
وبعد وفاة السيّد المرجع(رض)، راجع أعضاء المكتب الشرعي فتاوى الفقهاء الأحياء الذين يرجع إليهم النّاس في التّقليد، وقد دارت بين وجوب البقاء على تقليد الميت إذا كان المكلّف يعتقده الأعلم، أو جواز البقاء على تقليده مع عدم اعتقاد أعلميّة غيره عليه، أو مطلقاً، إضافةً إلى أنّ هناك آراء اجتهاديّة تجيز تقليد الميت ابتداءً إذا اعتقد المكلّف أعلميّته على الأحياء، أو مطلقاً. ومن هذا المنطلق، أعلن المكتب أنّ البقاء على تقليد السيّد(رض)، إمّا جائز وإمّا متعيّن، نظراً إلى تميّز السيّد(رض) في فقاهته؛ وهذا الإعلان جاء موافقاً للموقف الشرعي في تحصيل المكلّف براءة الذمّة في البقاء على تقليد الميت.
وكذلك، استمرّ المكتب الشرعي بإعلان بدايات الشّهور القمريّة، وسائر التّطبيقات الواقعيّة للآراء الاجتهاديّة للسيّد فضل الله(رض).
وقد شكّل السيّد فضل الله(رض) مرجعيّةً قضائيّةً طوال فترة تصدّيه لشؤون النّاس ومشاكلهم، وخلال أكثر من أربعين عاماً، كان يرجع إليه المتنازعون في مختلف المجالات، وخصوصاً في المشاكل المتعلّقة بالأحوال الشخصيَّة، لكي يحلّ المشاكل العالقة في نطاق الحكم الشّرعي. وقد كان تصدّي السيّد(رض) للقضاء مباشراً حتّى أوائل الثّمانينات.
ولكن، نظراً إلى المشاغل المتزايدة على عاتق السيّد(رض)، أسّس دائرة للقضاء بإشراف المكتب الشرعيّ، انتدب لها علماء دين من ذوي الكفاءة العلميّة والخبرة العمليّة في إدارة الخلافات وفي تطبيقات الحكم الشرعي، حيث يعمل هؤلاء على حلّ المشاكل ضمن الموازين الشرعيّة للقضاء.